جعفر علي امبراطور نشيط
عدد المساهمات : 41 تاريخ التسجيل : 25/03/2011
| موضوع: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر الخميس مايو 19, 2011 6:24 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم من أشراط الساعة
المسألة الأولى : معنى المهدي المهدي : لغة اسم مفعول من : هداه هدى وهديا وهداية ، والهدى : هو الرشاد والدلالة ، يقال : هداه الله للدين هدى ، وهديته الطريق ، وإلى الطريق هداية : أي عرفته (1) . وقال ابن الأثير : المهدي الذي هداه الله إلى الحق ، وقد استعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة (2) . وقد وردت هذه الكلمة في أحاديث عديدة ، منها حديث العرباض بن سارية ، وفيه : « وسنة الخلفاء الراشدين المهديين » (3) . وقال ابن الأثير : " ويريد بالخلفاء المهديين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم أجمعين وإن كان عاما في كل من سار سيرتهم " (4) . والمراد بالمهدي هنا : هو الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجيء في آخر الزمان ، ويؤيد الدين ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويكون من أهل بيته صلى الله عليه وسلم ، ويخرج في زمنه عيسى عليه السلام ، والدجال . وقد وردت في شأن المهدي أحاديث كثيرة ما بين صحاح وحسان وضعاف تنجبر وضعاف شديدة الضعف (5) . وهذه الأحاديث توضح وتخبر عن خروجه في الناس ، وذلك بعد ما يعم الأرض الظلم والفساد والطغيان ؛ فيأتي ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت جورا وظلما . _________ (1) انظر : النهاية في غريب الحديث : ( 5 / 254 ) ، ولسان العرب ( 15 / 353 ، 354 ) . (2) النهاية في غريب الحديث ( 5 / 254 ) . (3) جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 4 / 126 ) ، وأبو داود في سننه : كتاب السنة ( 5 / 13 ) ، والترمذي في سننه : كتاب العلم ( 5 / 44 ) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح . (4) النهاية في غريب الحديث ( 5 / 254 ) . (5) صرح بنحوه ابن القيم في المنار المنيف ( 148 ) إذ قال : هذه الأحاديث أربعة أقسام : صحاح وحسان ، وغرائب ، وموضوعة ، وكذا قال الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ص ( 42 ) . وهو من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبناء فاطمة - رضي الله عنها - وعلى خده شامة كأنها كوكب دري . المسألة الثانية : اسمه واسم أبيه ونسبه اسم المهدي ( محمد ) ، واسم أبيه ( عبد الله ) . فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض . . . » الحديث . وفي رواية أخرى : « لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » . وفي رواية أخرى : « يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » ، قال : وقال أبو هريرة : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي . . . » (1) . وأما نسبه : فالروايات الكثيرة تبين لنا أنه من ولد فاطمة البتول ، ابنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام - رضي الله عنها - وعن أولادها الطاهرين . عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « المهدي من عترتي (2) من ولد فاطمة » (3) . وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة » (4) . _________ (1) أخرجه أبو داود في سننه : كتاب المهدي ( 4 / 151 ) ، والترمذي في سننه : كتاب الفتن ( 9 / 74 ) وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وذكر الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في منهاج السنة ( 4 / 211 ) وأشار إلى صحته . (2) قال الخطابي : العترة : ولد الرجل لصلبه ، ويكون العترة للأقرباء وبني العمومة ، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه يوم السقيفة : نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم . معالم السنن ( 4 / 474 ) . (3) أخرجه أبو داود في سننه : كتاب المهدي ( 4 / 474 ) ، وابن ماجه في سننه : كتاب الفتن ( 2 / 1368 ) ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 557 ) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 2 / 140 ) . (4) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 1 / 84 ) وابن ماجه في سننه : كتاب الفتن ( 2 / 1367 ) . ومعنى يصلحه الله في ليلة : يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك ، النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير ( 1 / 55 ) . فهذه الأخبار كلها تؤكد أن المهدي من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من ولد فاطمة الزهراء ، وهذا ما عليه جماهير الأمة ، فلا يسوغ العدول عنه ولا الالتفات إلى غيره من الأحاديث الضعيفة والموضوعة . يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في المهدي : وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه (1) . _________ (1) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 31 ) . المسألة الثالثة : صفة المهدي من صفات المهدي الواردة في السنة ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المهدي مني ، أجلى الجبهة (1) ، أقنى الأنف (2) ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما ، ويملك سبع سنين » (3) . ومن الأمور الدالة عليه ، أنه يخرج في زمان ساد فيه الجور والظلم ، فيقيم هو بأمر الله العدل والحق ، ويمنع الظلم والجور ، وينشر الله به لواء الخير على الأمة ، حيث يسقيه الله الغيث فتمطر السماء كثيرا لا تدخر شيئا من قطرها ، وتؤتي الأرض أكلها لا تدخر عن الناس شيئا من نباتها ، وتكثر المواشي بسبب الخيرات ، ويفيض المال فيقسمه بين الناس بالسوية . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يخرج في آخر أمتي المهدي ، يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطي المال صحاحا ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأمة ، يعيش سبعا ، أو ثمانيا ، يعني حججا » (4) . _________ (1) ( أجلى الجبهة ) : الأجلى : الخفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين ، والذي انحسر الشعر عن جبهته : النهاية في غريب الحديث ( 1 / 290 ) . (2) ( أقنى الأنف ) : القنا في الأنف : طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه . النهاية في غريب الحديث ( 4 / 116 ) . (3) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 3 / 17 ) وأبو داود برقم ( 4285 ) في المهدي ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 557 ) ، وقد أشار الشيخ الألباني إلى صحته في تخريج المشكاة برقم ( 5454 ). (4) أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4 / 557 - 558 ) وقال : حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، والحديث أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ( 2 / 336 ) ، وقال : هذا سند صحيح ، رجاله ثقات . المسألة الرابعة : مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض ليست هناك روايات صحيحة صريحة تدل على مكان خروجه ، أو الزمن الذي يخرج فيه ، ولكن استأنس أهل العلم في بيان ذلك من مفهوم بعض الروايات وإن لم تكن قطعية . فعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقتتل عند كنزكم ثلاثة ، كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم " . ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال : " فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي » (1) . _________ (1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان ( 2 / 193 ) .
قال ابن كثير - رحمه الله - : والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة ، يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء ، حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ، ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامرا ، كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان ، فإن هذا نوع من الهذيان ، وقسط كبير من الخذلان ، شديد من الشيطان ؛ إذ لا دليل على ذلك ، ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان ، إلى أن قال : " ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه ، وتكون راياتهم سودا أيضا ، وهو زي عليه الوقار ؛ لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال له العقاب " إلى أن قال : " والمقصود : أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق ، ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك نص الأحاديث " (1) . _________ (1) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 55 ، 56 ) . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة » (1) . وهناك رواية أوردها ابن القيم - رحمه الله - في المنار المنيف حدد فيها اسم الأمير الذي يصلي إماما وأنه المهدي بلفظ : « فيقول أميرهم المهدي : تعال صلّ بنا » . . . إلى آخر الحديث . ثم قال ابن القيم - رحمه الله - بعد أن أورد الحديث : وهذا إسناد جيد (2) . وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض (3) خسف بهم ، فقلت : يا رسول الله ، فكيف بمن كان كارها ؟ قال : يخسف به معهم ، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته » (4) . وعن حفصة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « سيعوذ بهذا البيت - يعني الكعبة - قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة ، يبعث إليهم جيش ، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم » (5) . _________ (1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان ( 2 / 193 ) . (2) المنار المنيف ص ( 148 ) . (3) يقول النووي - رحمه الله - قال العلماء : البيداء كل أرض ملساء لا شيء بها ، وبيداء المدينة : الشرف الذي قدام ذي الحليفة أي إلى جهة مكة . شرح صحيح مسلم للنووي ( 18 / 5 ) . (4) أخرجه مسلم في صحيحه . كتاب الفتن : ( 4 / 2209 ) . (5) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الفتن : ( 4 / 2210 ) . وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : « عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه ، فقلنا : يا رسول الله ، صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله ؟ فقال : " العجب أن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش ، قد لجأ بالبيت ، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم " ، فقلنا : يا رسول الله ، إن الطريق قد تجمع الناس ، فقال : " نعم ، فيهم المستبصر (1) ، والمجبور (2) ، وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ، ويصدرون مصادر شتى (3) ، يبعثهم الله عز وجل على نياتهم » (4) . ففي هذه الروايات الثلاث عن أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - جميعا ، إشارة صريحة للعائذ بالبيت وأنه من قريش ، وأنه يؤيد بنصر الله ، فيهلك الله أعداءه بالخسف . وقد ورد أيضا في الأحاديث الصحيحة ذكر خليفة يكثر الخير في زمانه حتى إنه يحثو المال حثوا ولا يعده عددا ويعطيه للناس بدون عدد ، ولكن الروايات هنا أيضا لم تحدد اسم هذا الخليفة . فعن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده » . وفي رواية : « يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا » (5) . _________ (1) ( المستبصر ) : المستبين للشيء ، القاصد له عمدا ، يعني أنهم كانوا على بصيرة من ضلالتهم : النهاية في غريب الحديث ( 1 / 132 ) . (2) ( المجبور ) : أي المكره على الخروج دون إرادته . النهاية في غريب الحديث ( 1 / 236 ) . (3) ( مصادر شتى ) : أي يهلكون جميعهم ، ولكن مصادرهم عن الهلكة متفرقة ، فمنهم إلى الجنة ، ومنهم إلى النار على قدر أعمالهم ونياتهم : النهاية في غريب الحديث ( 4 / 15 ) . (4) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الفتن ( 4 / 2210 ) . (5) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الفتن ( 4 / 2234 ، 2235 ) . وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج من بني هاشم فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته بين الركن والمقام ، فيجهز إليه رجل من قريش ، أخواله من كلب ، فيجهز إليه جيش فيهزمهم الله ، فتكون الدائرة عليهم ، فذلك يوم كلب ، الخائب من خاب من غنيمة كلب ، فيستفتح الكنوز ويقسم الأموال ، ويلقي الإسلام بجرانه (1) إلى الأرض ، فيعيشون بذلك سبع سنين أو قال : تسعا » (2) . وفي رواية أبي داود : " . . . « فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ، ويبعث إليه بعث من الشام » . . . " (3) الحديث . _________ (1) ( بجرانه ) الجران : باطن العنق ، والمعنى : أن الإسلام قد قر قراره واستقام وطبقت أحكامه . لسان العرب ( 13 / 86 ) . (2) أخرجه الطبراني في الأوسط ( 2 / 35 ) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ( 7 / 318 ) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح . (3) أخرجه أبو داود : كتاب المهدي ( 4 / 475 ) . ** ومن مجمل الروايات السابقة يتبين لنا أن المهدي رجل صالح يخرج في آخر الزمان ، ويأوي إلى مكة هاربا من المدينة ، فيبايع بين الركن والمقام عند الكعبة المشرفة ، فيبعث إليه جيش لقتله فيخسف بهم ، وينصره الله ويؤيده فيحكم بالإسلام ، وينشر العدل بين الناس ، ويعم الرخاء والنعمة بزمانه ، ويلتقي مع نبي الله عيسى عليه السلام فيؤم الأمة وعيسى عليه السلام يصلي خلفه ، ويخرج معه ويساعده على قتل الدجال ، ويعيش سبعا أو تسع سنين ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون }. المسألة الخامسة : تواتر أحاديث المهدي لقد نص على تواتر الأحاديث في المهدي تواترا معنويا عدد من الأئمة والعلماء : يقول الحافظ أبو الحسن الآبري (1) : " وقد تواترت الأخبار واستفاضت وكثرت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بخروجه ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلا ، وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد (2) ، بأرض فلسطين ، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه " (3) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم " (4) . ويقول الحافظ ابن كثير : " فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان ، وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض وترتجي ظهوره من سرداب في سامرا ، فإن ذاك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر . . . وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه في آخر الدهر ، وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث " (5) . _________ (1) هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجستاني الآبري ، المحدث ، الحافظ ، المؤرخ ، صاحب مناقب الإمام الشافعي ، توفي سنة 363 هـ . سير أعلام النبلاء ( 16 / 299 ) ، شذرات الذهب ( 3 / 46 ) . (2) لد : بالضم والتشديد ، بلدة معروفة في فلسطين ، قريبة من بيت المقدس ، وهي التي ببابها يدرك عيسى عليه السلام الدجال فيقتله . معجم البلدان : ( 5 / 15 ) . (3) انظر كلامه هذا في تهذيب التهذيب : ( 9 / 144 ) . (4) منهاج السنة النبوية : ( 4 / 95 ) . (5) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 49 ) . ويقول العلامة محمد السفاريني في المهدي : " وقد كثرت بخروجه - أي المهدي - الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة ، حتى عد من معتقداتهم " (1) . ويقول أيضا : " وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد بمجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة " (2) . ويقول العلامة محمد البرزنجي في كتابه - الإشاعة لأشراط الساعة - : " قد علمت أن أحاديث المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها " (3) ويقول العلامة محمد صديق خان بن حسن القنوجي (4) في كتابه - الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة - : " الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف روايتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد " (5) . _________ (1) لوامع الأنوار البهية : ( 2 / 84 ) . (2) المصدر نفسه . (3) الإشاعة في أشراط الساعة ( 236 ) . (4) هو أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن خان القنوجي ، ولد في بريلي ، وتعلم في الهند ، قرأ وكتب كثيرا ، وله مصنفات كثيرة منها : الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ، الروضة الندية في شرح الدرة البهية ، والدين الخالص ، وغيرها ، توفي سنة 1307 هـ . انظر : الأعلام للزركلي : ( 6 / 167 - 168 ) . (5) الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة : 112 - 113 . وقال العلامة الشوكاني : " الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا ، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك وشبهة ، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضا ، لها حكم الرفع ؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك " (1) . وقال العلامة محمد بن جعفر الكتاني (2) : " والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال وفي نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام " (3) . ويقول العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي : " واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على إثره ، وأن عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ، ويأتم بالمهدي في صلاته . _________ (1) التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح . ورقة : ( 4 ، 5 ) . (2) هو أبو عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني الحسني الفاسي ، مؤرخ ومحدث ، ولد في فاس بالمغرب ، ورحل في طلب العلم ، له عدة مصنفات منها : نظم المتناثر من الحديث المتواتر ، توفي سنة 1345 هـ . انظر : الأعلام ( 6 / 72 - 73 ) . (3) نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 174 . وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم : أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والبزار ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي ، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل : علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وطلحة ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي هريرة ، وأنس ، وأبي سعيد الخدري ، وأم حبيبة ، وأم سلمة ، وثوبان ، وقرة بن إياس ، وعلي الهلالي ، وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم (1) . ويقول سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ما ملخصه : " أمر المهدي معلوم ، والأحاديث فيه مستفيضة ، بل متواترة متعاضدة ، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها ، وتواترها تواتر معنوي ، لكثرة طرقها ، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها ، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق ، وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان ، يخرج فيقيم العدل والحق ، ويمنع الظلم والجور ، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلا وهداية وتوفيقا وإرشادا للناس . _________ (1) عون المعبود شرح سنن أبي داود ( 11 / 361 ) . وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره ، وكما قال ابن القيم وغيره : فيها الصحيح ، وفيها الحسن ، وفيها الضعيف المنجبر ، وفيها أخبار موضوعة ، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده ، سواء كان صحيحا لذاته أو لغيره ، وسواء كان حسنا لذاته أو لغيره ، وهكذا الأحاديث الضعيفة إذا انجبرت وشد بعضها بعضا ، فإنها حجة عند أهل العلم . . . والحق أن جمهور أهل العلم - بل هو كالاتفاق - على ثبوت أمر المهدي ، وأنه حق ، وأنه سيخرج في آخر الزمان ، أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك " (1) . _________ (1) نقلا عن كتاب : الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لفضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن العباد - حفظه الله - ص : ( 157 - 159 ) وقد أحصى فضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله - في كتابه القيم عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر عدد الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي فبلغوا ستة وعشرين صحابيا ، كما أحصى عدد الأئمة الذين خرجوا هذه الأحاديث والآثار في كتبهم فبلغوا ستة وثلاثين إماما ، منهم أصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وغيرهم ، كما ذكر بعض من ألف في شأن المهدي ، والذين حكموا على أحاديث المهدي بالتواتر ، كما ذكر بعض العلماء المحققين الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وهم جمع كبير . وفي الجملة : فهي رسالة جيدة وقيمة في هذا الموضوع يحسن الرجوع إليها وقراءتها لما اشتملت عليه من فوائد عظيمة . المسألة السادسة : أقسام الناس في المهدي انقسم الناس في أمر المهدي إلى طرفين ووسط : 1 - أما المذهب الوسط : فهو معتقد أهل السنة والجماعة الذين يثبتون خروج المهدي على ما دلت عليه النصوص الثابتة التي ذكر فيها اسمه واسم أبيه ونسبه وصفاته وأنه خليفة راشد ومصلح يظهر في آخر الزمان يؤيده الله ويصلح به العباد والبلاد . يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله - حينما تكلم عن أقسام الناس في المهدي عن معتقد أهل السنة والجماعة : " القول الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن بن علي ، يخرج في آخر الزمان ، وقد امتلأت الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا ، وأكثر الأحاديث على هذا تدل (1) " . وقد سبق ذكر الأدلة التي تدل على خروجه وجملة من أقوال أهل العلم التي تبين معتقد أهل السنة والجماعة في المهدي . _________ (1) المنار المنيف ص ( 148 ) . 2 - وأما الطرف الأول : فهم الذين ينكرون خروج المهدي قديما وحديثا من الذين ليس لهم خبرة بالنصوص وأقوال أهل العلم ، تمشيا مع مذهبهم الباطل في نفي الأمور الغيبية التي لا تدركها عقولهم ولا توافق أهواءهم ويقولون : إن المهدي أسطورة وخرافة دخلت على أهل السنة من جهة الشيعة ، ويقولون أيضا : إن الأحاديث الواردة فيه بعضها باطل والبعض الآخر متناقض . وقد رد العلماء على هؤلاء وبينوا فساد قولهم ومخالفته لما ثبت في النصوص الصحيحة . ومن أجمل الردود في هذا الباب ما كتبه فضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد - حفظه الله - في رسالته : الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ، وما كتبه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله بن حمد التويجري - رحمه الله - في كتابه الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر . يقول شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله - : " أما الجواب عن السؤال الثاني فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي أو تردد فيها سوى رجلين اثنين ، أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ، وقد مضى حكاية كلام شيخ الإسلام عنه وأنه قد اعتمد على حديث : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ، وقال ابن تيمية : وليس مما يعتمد عليه لضعفه ، انتهى ، وسبق في أثناء كلام الذين نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث فالجمع بينه وبين أحاديث المهدي ممكن . ولم أقف على ترجمة لأبي محمد المذكور . وأما الثاني : فهو عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور ، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه أحاديث المهدي ، وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تاريخه فظهر لي منه التردد لا الجزم بالإنكار ، وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ونكوب عن الجادة المطروقة ، وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه الإذاعة حيث قال : " لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام ؛ لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه " وقال : " لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأدلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر " (1) انتهى . ولعل المنكرين في عصرنا الحاضر للمهدي متأثرون بهذين الرجلين . _________ (1) وانظر عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر ص ( 210 ، 211 ) . 3 - وأما الطرف الثالث : فهم من يغالي في أمر المهدي من الطوائف الضالة حتى ادعت كل طائفة منهم أن زعيمهم هو المهدي المنتظر ، وقد أشار الحافظ ابن القيم - رحمه الله - إلى هؤلاء بقوله : وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر ، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ، الذي يورث العصا ، ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة سنة ، فلم تره بعد ذلك عين ، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر ، وهم ينتظرونه كل يوم !! يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم : اخرج يا مولانا ، اخرج يا مولانا ، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ودأبه ، ولقد أحسن من قال :
ما آن للسرداب أن يلد الذي ... كلمتموه بجهلكم ما آنا ؟ فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم ، وضحكة يسخر منهم كل عاقل (1) . _________ (1) المنار المنيف ص ( 152 ) . وبهذا يتبين أنه لا يلتفت إلى ضعف مَن ضعَّف أحاديث المهدي أو كذب بها ممن ليس من فرسان هذا العلم ولا يعتد بخلافه . وأما الذين أنكروا خروج المهدي في آخر الزمان وأنه لا مهدي سوى عيسى ابن مريم احتجاجا بحديث : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » (1) ، فإن هذا الحديث لا تقوم به حجة ؛ لأنه حديث ضعيف ومداره على محمد بن خالد الجندي وهو رجل ضعيف . قال القرطبي : " قيل إن هذا الحديث لا يصح لأنه انفرد بروايته محمد بن خالد الجندي ، قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ الجندي هذا مجهول ، واختلف عليه في إسناده . . . والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه " (2) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الحديث الذي فيه « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف ، رواه عن يونس عن الشافعي عن شيخ مجهول من أهل اليمن لا تقوم بإسناده حجة " (3) . وقال الحافظ الذهبي في ترجمة محمد بن خالد الجندي : قال الأزدي : منكر الحديث ، وقال أبو عبد الله الحاكم : مجهول . _________ (1) أخرجه ابن ماجه في سننه ( 2 / 1340 ) ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 442 ) وقال : فذكرت ما انتهى إلي من علة هذا الحديث تعجبا لا محتجا به في المستدرك على الشيخين - رضي الله عنهما - فإن أولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضع حديث سفيان الثوري . . . عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » . (2) التذكرة ( 2 / 723 ) . (3) منهاج السنة النبوية ( 4 / 211 ) . قلت : - القائل الذهبي - حديثه : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ، وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجه . وقال الحافظ الذهبي أيضا : " فأما حديث « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » فضعيف ، فلا يعارض هذا الأحاديث (1) . فهذا الحديث الضعيف لا يعارض به الأحاديث الصحيحة الثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في شأن المهدي ، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه كما قال الإمام القرطبي : يحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام : « ولا مهدي إلا عيسى » : أي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى ، وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض (2) ، ويقول العلامة ابن قيم الجوزية : ولو صح لم يكن فيه حجة ؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة ، وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، وحكمه بكتاب الله ، وقتله اليهود والنصارى ، ووضعه الجزية ، وإهلاك أهل الملل في زمانه ، فيصح أن يقال : لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهديا ، كما يقال : لا علم إلا ما نفع ، ولا مال إلا ما وقى وجه صاحبه ، وكما يصح أن يقال : إنما المهدي عيسى ابن مريم ، يعني المهدي الكامل المعصوم " (3) . _________ (1) ميزان الاعتدال ( 3 / 535 ) . (2) التذكرة ( 2 / 723 ) . (3) المنار المنيف ( 148 ) . ويقول الحافظ ابن كثير : " وعند التأمل لا يتنافيان ، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حقا هو عيسى ابن مريم ، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا ، والله أعلم " (1) . _________ (1) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 58 ) .
نقلاً عن مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في عددها الثالث من سنتها الأولى ملخصاً لمحاضرة بعنوان «عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر» للشيخ عبد المحسن العباد البدر
أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته عن الأمم الماضية بأخبار لابد من التصديق بها ، وأنها وقعت وفق خبره(صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما أخبر عن أمور مستقبلة لابد من التصديق بها ، والاعتقاد أنها ستقع على وفق ما جاء عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) وما من شيء يقرب إلى اللّه إلاّ وقد دلّ الامة عليه . ورغّبها فيه ، وما من شر إلاّ حذّرها منه . إن من بين الامور المستقبلة التي تجري في آخر الزمان ، عند نزول عيسى بن مريم(عليه السلام) من السماء ، هو خروج رجل من أهل بيت النبوة من ولد علي بن أبي طالب ، يوافق اسمه اسم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ويقال له المهدي ، يتولى إمرة المسلمين ، ويصلي عيسى بن مريم(عليه السلام) خلفه ، وذلك لدلالة الاحاديث المستفيضة عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، التي تلقتها الأمة بالقبول ، واعتقدت موجبها إلاّ من شذ . وسيكون الكلام حول هذا الموضوع لأمرين : الأول : أن الأحاديث الواردة في المهدي لم ترد في الصحيحين على وجه التفصيل ، بل جاءت مجملة ، وقد وردت في غيرهما مفسرة لما فيهما ، فقد يظن ظان أن ذلك يقلل من شأنهما ، وذلك خطا واضح ، فالصحيح بل الحسن في غير الصحيحين مقبول معتمد عند أهل الحديث . الثاني : أن بعض الكتّاب في هذا العصر أقدم على الطعن في الأحاديث الواردة في المهدي بغير علم ، بل جهلاً أو تقليداً لأحد لم يكن من أهل العناية بالحديث . وقد اطلعت على تعليق لعبد الرحمن محمد عثمان على كتاب تحفة الاحوذي ، الذي طبع أخيراً في مصر . قال في الجزء السادس في باب ما جاء في الخلفاء في تعليقه : «يرى الكثيرون من العلماء أن كل ما ورد من أحاديث عن المهدي ، إنما هو موضع شك ، وأنها لا تصح عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل إنها من وضع الشيعة» . وقال معلقاً بشأن المهدي في باب ما جاء في تقارب الزمن وقصر الأمل في الجزء المذكور : «ويرى الكثيرون من العلماء الثقاة الإثبات أن ما ورد في أحاديث خاصة بالمهدي ليست إلاّ من وضع الباطنية والشيعة وإضرابهم ، وأنها لا تصح نسبتها إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)» . بل لقد تجرأ بعضهم إلى ما هو أكثر من ذلك ، فنجد محيي الدين عبد الحميد في تعليقته على الحاوي للفتاوي للسيوطي ، يقول في آخر جزء في العرف الوردي في أخبار المهدي (ص 166) من الجزء الثاني: «يرى بعض الباحثين أن كل ما ورد عن المهدي وعن الدجال من الاسرائيليات» . لهذين الأمرين ، ولكون الواجب على كل مسلم ناصح لنفسه ألاّ يتردد في تصديق الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يخبر به ، رأيت أن يكون الكلام حول هذا الأمر كما قلت ، تحت عنوان عقيدة اهل السنة والاثر في المهدي المنتظر . ولكي نكون على علم مقدماً بعناصر الموضوع ، أسوقها لكم فيما يلي : الاول : ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) . الثاني : ذكر أسماء الأئمة الذين أخرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم . الثالث : ذكر الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف من العلماء . الرابع : ذكر الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ، وحكاية كلامهم في ذلك . الخامس : ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث التي لها تعلق بشأن المهدي . السادس : ذكر بعض الأحاديث في شأن المهدي الواردة في غير الصحيحين ، مع الكلام عن أسانيد بعضها . السابع : ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي ، واعتقدوا موجبها ، وحكاية كلامهم في ذلك . الثامن : ذكر من وقفت عليه ممن حكي عنه إنكار أحاديث المهدي ، أو التردد فيها ، مع مناقشة كلامه باختصار . التاسع : ذكر بعض ما يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي ، والجواب عن ذلك . العاشر : كلمة ختامية . الأول : أسماء الصحابة الذين رووا عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث المهدي : جملة ما وقفت عليه من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ستة وعشرون ، وهم : 1 ـ عثمان بن عفان . 2 ـ علي بن أبي طالب . 3 ـ طلحة بن عبيد اللّه . 4 ـ عبد الرحمان بن عوف . 5 ـ الحسين بن علي . 6 ـ أم سلمة . 7 ـ أم حبيبة . 8 ـ عبد اللّه بن عباس . 9 ـ عبد اللّه بن مسعود . 10 ـ عبد اللّه بن عمر . 11 ـ عبد اللّه بن عمرو . 12 ـ أبو سعيد الخدري . 13 ـ جابر بن عبد اللّه . 14 ـ أبو هريرة . 15 ـ أنس بن مالك . 16 ـ عمار بن ياسر . 17 ـ عوف بن مالك . 18 ـ ثوبان مولى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) . 19 ـ قرة بن إياس . 20 ـ علي الهلالي . 21 ـ حذيفة بن اليمان . 22 ـ عبد اللّه بن الحارث بن جزء . 23 ـ عوف بن مالك . 24 ـ عمران بن حصين . 25 ـ أبو الطفيل . 26 ـ جابر الصدفي .
الثاني : أسماء الأئمة الذين خرّجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم : وأحاديث المهدي خرّجها جماعة كثيرون من الأئمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها ، وقد بلغ عدد الذين وقفت على كتبهم ، واطلعت على ذكر تخريجهم لها ، ثمانية وثلاثين ، وهم : 1 ـ أبو داود في سننه . 2 ـ الترمذي في جامعه . 3 ـ ابن ماجة في سننه . 4 ـ النسائي ، ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهية ، والمناوي في فيض القدير ، وما رأيته في الصغرى ، ولعله في الكبرى . 5 ـ احمد في مسنده . 6 ـ ابن حبان في صحيحه . 7 ـ الحاكم في المستدرك . 8 ـ أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف . 9 ـ نعيم بن حماد في كتاب الفتن . 10 ـ الحافظ أبو نعيم في كتاب المهدي ، وفي الحلية . 11 ـ الطبراني في الكبير والأوسط والصغير . 12 ـ الدارقطني في الافراد . 13 ـ البارودي في معرفة الصحابة . 14 ـ أبو يعلى الموصلي في مسنده . 15 ـ البزار في مسنده . 16 ـ الحارث بن أبي أسامة في مسنده . 17 ـ الخطيب في تلخيص المتشابه ، وفي المتفق والمتفرق . 18 ـ ابن عساكر في تاريخه . 19 ـ ابن منده في تاريخ أصبهان . 20 ـ أبو الحسن الحربي في الاول من الحربيات . 21 ـ تمام الرازي في فوائده . 22 ـ ابن جرير في تهذيب الاثار . 23 ـ أبو بكر بن المقري في معجمه . 24 ـ أبو عمرو الداني في سننه . 25 ـ أبو غنم الكوفي في كتاب الفتن . 26 ـ الديلمي في مسند الفردوس . 27 ـ أبو بكر الاسكاف في فوائد الاخبار . 28 ـ أبو حسين بن المناوي في كتاب الملاحم . 29 ـ البيهقي في دلائل النبوة . 30 ـ أبو عمرو المقري في سننه . 31 ـ ابن الجوزي في تاريخه . 32 ـ يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده . 33 ـ الروياني في مسنده . 34 ـ ابن سعد في الطبقات . 35 ـ ابن خزيمة . 36 ـ عمرو بن شبر . 37 ـ الحسن بن سفيان . 38 ـ أبو عوانه . وهؤلاء الأربعة ذكر السيوطي في العرف الوردي كونهم ممن خرج أحاديث المهدي ، دون عزو التخريج إلى كتاب معين . الثالث : ذكر لبعض الذين ألفوا كتباً في شأن المهدي : وكما اعتنى علماء هذه الأمة بجمع الأحاديث الواردة عن نبيهم(صلى الله عليه وآله)تأليفاً وشرحاً ، كان للأحاديث المتعلقة بأمر المهدي قسطها الكبير من هذه العناية ، فمنهم من أدرجها ضمن المؤلفات العامة كما في السنن والمسانيد وغيرها ، ومنهم من أفردها بالتأليف ، وكل ذلك حصل منهم حماية لهذا الدين ، وقياماً بما يجب من النصح للمسلمين ، فمن الذين أفردوها بالتأليف : 1 ـ أبو بكر بن أبي خيثمة زهير بن حرب . قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه : «ولقد توغل أبو بكر بن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي» . 2 ـ الحافظ أبو نعيم ، ذكره السيوطي في الجامع الصغير ، وذكره في العرف الوردي ، بل قد لخص السيوطي الاحاديث التي جمعها أبو نعيم في المهدي ، وجعلها ضمن كتابه العرف الوردي ، وزاد عليها فيه أحاديث وآثاراً كثيرة جداً . 3 ـ السيوطي ، فقد جمع فيه جزءاً سماه العرف الوردي في أخبار المهدي ، وهو مطبوع ضمن كتابه الحاوي للفتاوي في الجزء الثاني منه . قال في أوله : «الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى ، هذا جزء جمعت فيه الأحاديث والآثار الواردة في المهدي ، لخصت فيه الاربعين التي جمعها الحافظ أبو نعيم ، وزدت عليه مافات ، ورمزت عليه صورة (ك)» . والأحاديث والآثار التي أوردها السيوطي في شأن المهدي تزيد على المئتين ، وفيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع ، وإذا أورد الحديث الواحد أضافه إلى كل من الذين خرّجوه ، فيقول مثلاً في أحدها : «أخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أم سلمة : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة» . 4 ـ الحافظ عماد الدين بن كثيرة قال في كتابه الفتن والملاحم : «وقد أفردت في ذكر المهدي جزءاً على حدة ، وللّه الحمد والمنة» . 5 ـ الفقيه ابن حجر المكي ، وقد سمى مؤلَّفه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ، ذكر ذلك البرزنجي في الاشاعة ، ونقل منه ، وكذلك السفاريني في لوامع الانوار البهية ، وغيرهما . 6 ـ علي المتقي الهندي صاحب كنز العمال ، فقد ألف في شأن المهدي رسالة ذكرها البرزنجي في الاشاعة ، وذكر ذلك قبله أيضاً ملا علي القاري الحنفي ، في المرقاة شرح المشكاة . 7 ـ ملا علي القاري ، وسمى مؤلَّفه المشرب الوردي في مذهب المهدي ، ذكره في الاشاعة ، ونقل جملة كبيرة منه . 8 ـ مرعي بن يوسف الحنبلي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين بعد الالف ، وسمى مؤلَّفه فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر ، ذكره السفاريني في لوامع الانوار البهية ، وذكره الشيخ صديق حسن القنوجي في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ، وغيرها . 9 ـ ومن الذين ألفوا في شأن المهدي ، بالاضافة إلى مسألتي نزول عيسى(عليه السلام) وخروج المسيح والدجال ، القاضي محمد بن علي الشوكاني ، وسمى مؤلَّفه التوضيح في تواتر ماجاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح ، ذكر ذلك صديق حسن في الاذاعة ، ونقل جملة منه ، والشوكاني ممن ألف بشأنه ، وحكى تواتر الاحاديث الواردة فيه . 10 ـ الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام ، المتوفى سنة 1182 هـ . قال صديق حسن في الاذاعة : «وقد جمع السيد العلامة بدر الملة المنير ، محمد بن إسماعيل الامير اليماني ، الأحاديث القاضية بخروج المهدي ، وأنه من آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنه يظهر في آخر الزمان» ، ثم قال : «ولم يأت تعيين زمنه إلاّ أنه يخرج قبل خروج الدجال» . الرابع : ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك : 1 ـ الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الابري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي ، المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاث مئة من الهجرة . قال في محمد بن خالد الجندي راوي حديث : «لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم» : «محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل ، وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بذكر المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملا الأرض عدلاً ، وأن عيسى(عليه السلام) يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلى عيسى خلفه» . نقل ذلك عنه ابن القيم في كتابه المنار ، وسكت عليه ، ونقله عنه أيضاً الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب ، في ترجمة محمد بن خالد الجندي ، وسكت عليه ، ونقل عنه ذلك وسكت عليه أيضاً فتح الباري ، في باب نزول عيسى بن مريم(عليه السلام) ، ونقل عنه ذلك أيضاً السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي ، وسكت عليه ، ونقل ذلك عنه مرعي بن يوسف في كتابه فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر ، كما ذكر ذلك صديق حسن في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة . 2 ـ محمد البرزنجي المتوفى سنة ثلاث بعد المئة والالف في كتابه الاشاعة لاشراط الساعة . قال : «الباب الثالث في الاشراط العظام والامارات القريبة التي تعقبها الساعة ، وهي أيضاً كثيرة ، فمنها المهدي ، وهو أولها . واعلم أن الاحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر» إلى أن قال : «ثم الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة أنه من ولد فاطمة» إلى أن قال : «قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان ، وأنه من عترة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد فاطمة ، بلغت حد التواتر المعنوي ، فلا معنى لإنكارها». وقال في ختام كتابه المذكور ، بعد الإشارة إلى بعض أمور تجري في آخر الزمان : «وغاية ما ثبت الأخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة ، التي بلغت التواتر المعنوي ، وجود الآيات العظام التي فيها بل أولها خروج المهدي ، وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملا الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً» . 3 ـ الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد المئة والألف ، في كتابه لوامع الانوار البهية . قال : «وقد كثرت بخروجه (يعني المهدي) الروايات ، حتى بلغت حد التواتر المعنوي» وأورد الأحاديث في خروج المهدي ، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها ، ثم قال : «وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي اللّه عنهم بروايات متعددة ، وعن التابعين من بعدهم ، ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة» . 4 ـ القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة خمسين بعد المئتين والالف ، وهو صاحب التفسير المشهور ، ومؤلف نيل الاوطار. قال في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح : «فالأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة ، بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي ، فهي كثيرة جداً ، لها حكم الرفع ; إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك» . وقال في مسألة نزول المسيح(عليه السلام) : «فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة ، والأحاديث الواردة في نزول عيسى(عليه السلام) متواترة» . 5 ـ الشيخ صديق حسن القنوجي المتوفى سنة سبع بعد الثلاث مئة والألف . قال في كتابه الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة : «والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً ، تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد» إلى أن قال : «لاشك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين شهر ولا عام ، لما تواتر من الاخبار في الباب ، واتفق عليه جمهور الامة خلفاً عن سلف ، إلاّ من لا يعتد بخلافه» إلى أن قال : «فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر ، المدلول عليه بالادلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة الى حد التواتر» . 6 ـ الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة خمس وأربعين بعد الثلاث مئة والألف . قال في كتابه نظم المتناثر في الحديث المتواتر : «وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى(عليه السلام) ثابت بالكتاب والسنة والإجماع» ثم قال : «والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال ، وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم(عليه السلام)». الخامس : ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث مما له تعلق بشأن المهدي : 1 ـ روي البخاري في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة قال : «قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم؟ » . 2 ـ وروى مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه عن أبي هريرة مثل حديثه عن البخاري ; ورواه أيضاً عن أبي هريرة بلفظ : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم فأمكم منكم ؟» ، وفيه تفسير ابن أبي ذئب راوي الحديث لقوله : «وأمكم منكم» ، بقوله : «فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم(صلى الله عليه وآله وسلم)» . 3 ـ وروى مسلم في صحيحه عن جابر أنه سمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال : فينزل عيسى ابن مريم(عليه السلام) فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الأمة» . فهذه الأحاديث التي وردت في الصحيحين ، وإن لم يكن فيها التصريح بلفظ المهدي ، تدل على صفات رجل صالح يؤم المسلمين في ذلك الوقت . وقد جاءت الأحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذه الأحاديث التي في الصحيحين ، ودالة على أن ذلك الرجل الصالح اسمه محمد ، ويقال له المهدي . والسنة يفسر بعضها بعضاً . ولما كان المقام لا يتسع لايراد الكثير من الأحاديث الواردة في غير الصحيحين ، في شأن المهدي ، والكلام عليها ، رأيت الاقتصار هنا على إيراد بعضها ، مع الكلام على بعض أسانيدها . السادس : ذكر بعض الأحاديث في المهدي ال | |
|